تطور الزراعة العضوية The Development of Organic Farming

4-2132ef70

د/ محمد صالح آدم عبدالله

khabir3@hotmail.com

تعريف الزراعة العضوية:

توجد تعاريف كثيرة للزراعة العضوية ولكن أكثرها شيوعاً هي أنها أسلوب زراعي يهدف لإنتاج غذاء آمن ذو جودة عالية بدون إستخدام المبيدات الكيميائية والأسمدة المصنعة كيميائياً والمواد المعدّلة وراثياً والبذور المعاملة كيميائياً وهرمونات النمو والمضادات الحيوية  … إلخ  في الإنتاج الحيواني.

تطور الزراعة العضوية عالمياً:  

كان لرودولف شتاينر (1861-1925م) مؤسس النهج الديناميكي الحيوي للزراعة دور كبير في تطور الزراعة العضوية، ففي مطلع القرن العشرين، بدأت النظرة الآلية للطبيعة تترسخ بشدة في الزراعة، مما أدى إلى تطوير وإستخدام الأسمدة المصنعة كيميائياً والمبيدات الكيميائية. وعندما إعتمدوا هذه المدخلات الكيميائية في الزراعة بغرض التوسع الأفقي، بدأ المزارعون سريعاً في ملاحظة أن هنالك إنخفاض في صحة وخصوبة التربة والنباتات والحيوانات. عندها طلب عدد من المزارعين الذين كانوا على دراية بعمل شتاينر التجديدي في الكثير من العلوم والجوانب الأخرى للمجتمع عما إذا كان بإمكانه تقديم بعض الأفكار حول كيفية تجديد صحة مزارعهم وحيويتها. وبعد العديد من تلك الطلبات وبالتحديد في يونيو 1924م، عقد شتاينر “دورة تدريبية زراعية” مع عدد من هؤلاء المزارعين في قرية (كوبرويتز ) بألمانيا وقتها والتي تقع الآن في بولندا. كان شتاينر من أوائل الشخصيات العامة التي حذرت من أن الإستخدام الواسع النطاق للأسمدة الكيماوية سيؤدي إلى تدهور التربة وصحة النبات والحيوان، وبالتالي الإضرار بالغذاء والإنسان. وأوضح من خلال محاضراته أهمية الزراعة الحيوية (العضوية) والدور الهام الذي يمكن أن يلعبه المزارع العضوي في إحداث التوازن البيئي والإهتمام بصحة النبات والحيوان والتربة. كما كان شتاينر أول من طرح فكرة منظور المزرعة ككائن حي واحد قائم على الاكتفاء الذاتي ويزدهر من خلال التنوع البيولوجي، وتكامل المحاصيل والثروة الحيوانية، وإنشاء نظام حلقة مغلقة للخصوبة أي أن المزرعة يمكن أن تعتبر دائرة مغلقة تغذي فيها التربة النبات، ويقوم النبات بتغذية الحيوان ويغذي الحيوان التربة، ويتغذى الانسان على المنتجات النباتية والحيوانية، ويدير كل ذلك الإنسان بكفاءة عالية وبإستخدامه لأقل مدخلات إنتاج من خارج المزرعة.

وفي الثمانينيات إستخدم مزارعو النهج الديناميكي الحيوي للزراعة في شمال شرق الولايات المتحدة أفكار شتاينر الاقتصادية لريادة مفهوم الزراعة المدعومة من المجتمع، والتي تم تبنيها منذ ذلك الحين من قبل آلاف المزارع في جميع أنحاء أمريكا الشمالية.

وفي العام 1962م نشرت عالمة الأحياء الأمريكية راشيل كارلسون كتاب الربيع الصامت، حيث لاحظت موت الطيور والأسماك نتجية الاستخدام المفرط للمبيدات (مثل مبيد دي دي تي) مما أدى لتسمم المخزون الغذائي للحيوانات، بعد نشر الكتاب تغير أسلوب التعامل مع المبيدات وتم إحداث طفرة بيئية كبيرة.

تبع ذلك اجتماع عدد قليل من الممثلين لبعض الدول في باريس عام 1972م بخصوص الدعوة للتنسيق بين المعرفة والخبرة في مجال الزراعة العضوية، وخلص الاجتماع إلى أهمية وجود مظلة عالمية للزراعة العضوية وعبر الحدود، فتم تكوين الاتحاد العالمي لحركات الزراعة العضوية (آيفوام)، والذي يضم الآن حوالي 800 عضو من 117 دولة.  

وبما أن القطاع الخاص قد سبق القطاع العام في تطوير معايير الزراعة العضوية، فقد ظهرت اتحادات وجمعيات عديدة في أوربا مثل ديمتر وبايولاند وناتورلاند واتحاد التربة أو الأرض في بريطانيا، ومن ثم ظهر بعدها القانون الأوربي والأمريكي والياباني والأسترالي والكندي، إلى أن وصل عددها تقريباً إلى 93 لائحة وقانون من بينها قوانين ولوائح لدول عربية وأفريقية. وهذه القوانين واللوائح في حالة تطور مستدام خاصة وأن نظام الزراعة العضوية نظام ديناميكي وحيوي ومتجدد. لكن الطفرة الحقيقية للزراعة العضوية كانت عندما بدأت محلات البيع بالتجزئة وبعض الميني ماركت والسوبرماركت والهايبرماركت في بيع المنتجات العضوية، فمع المزيد من السحب من هذه الأسواق يكون هنالك المزيد من الدفع بالمنتجات العـضوية مما حفز المزارعون العضويون على إنتاج المزيد منها خاصة وأن هنالك فرص جديدة لبيع منتجاتهم ذات القيمة المضافة وبأسعار مميزة.

وللأسف لا تزال اللائحة السودانية للزراعة العضوية حبيسة الأدراج بمكاتب المسؤلين ولعدد من السنوات هذا بالرغم من الإمكانيات الهائلة المتوفرة في هذا المجال الخصب بالسودان، وتاريخ الأجداد وحتى الأمس القريب في إنتاج غذاء طبيعي، وبالرغم من المجهودات سواء الفردية منها كانت أوالمحاولات المقدرة لبعض منظمات المجتمع المدني مثل مبادارت الجمعية السودانية لحماية المستهلك والمنظمة السودانية للزراعة العضوية والبيئة (سواي) واللتان تحاولان دائماً الدفع بقوانين ولوائح الزراعة العضوية في السودان لأنها تمثل الأطار التشريعي لبداية نهضة الزراعة العضوية بالسودان. وبإعتمادها من قبل الجهات المسئولة يمكن الشروع في تكوين الإطار المؤسسي مما يوفر المظلة القانونية والتنظيمية لهذا النشاط الهام على طول سلسلة الإنتاج من المزارع وحتى المستهلك، ليكتمل هذا البناء بالدور التوعوي والترويجي لمنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، عندها يمكن أن تكون هنالك ثورة حقيقية في الزراعة العضوية بالسودان بهدف توفير منتجات ذات جودة عالية للاستهلاك المحلي فصحة المواطن السوداني أغلى ما نملك لتحقيق أي برامج تنموية، بالإضافة لأغراض التصدير والتي يمكن أن تدر على المنتجين والدولة الكثير من العملات الصعبة من خلال مورد مستدام ومتجدد هو الزراعة بشقيها النباتي والحيواني. 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Thanks for submitting your comment!