الجمعيات التعاونية Cooperative Societies

35-b79f7bed

د/ محمد صالح ادم عبدالله

Khabir3@hotmail.com

تعريف التعاون:  يعرّف التعاون في أشكاله وأنماطه المختلفة بأنه نظام إقتصادي وإجتماعي يستخدم الجمعية التعاونية كوحدة عمل وإدارة منظمة لمساهمات وموارد الأعضاء المالية وغير المالية وتوظيفها لأغراض الانتاج والتسويق والتوزيع والاستهلاك وغيرها من الاستخدامات التعاونية الأخرى، ويعمل على تشجيع الادخار والائتمان وتوزيع مخاطر الاستثمار ويحقق العدالة في الفرص والمنفعة لأعضاء الجمعية مباشرة وللمجتمع عبر تبادل المنافع والمساهمة في عملية التثقيف والتنوير، وهو بذلك يعتبر نظام إقتصادي يمكن أن تتحقق من خلاله العدالة الاجتماعية.

مفهوم التعاونيات:  يرتبط مفهوم التعاونيات بالعمل التعاوني المنظّم كوسيلة وأداة إصلاحية وتصحيحية في المجتمع، ولا يرتبط بالتعاون في صورته الفطرية. حيث تعتبر التعاونيات نوع من أنواع التنظيم ترتبط فيه جماعة من الناس إرتباطاً اختيارياً بصفتهم الإنسانية على قدم المساواة لإعلاء شأن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. ويشتمل التعاون على أنماط عديدة من الأنشطة الجماعية بين الأفراد والمتمثلة في العون والتضامن والمساعدة المتبادلة وذلك لتحقيق أهداف إقتصادية لا يمكن أن تتحقق بالمجهود الفردي. 

نشأة وتطور العمل التعاوني:  التعاون كظاهرة إجتماعية قديمة قدم البشرية، ففي أعقاب الثورة الصناعية بأوربا وعند منتصف القرن الثامن عشر برز العمل التعاوني بصورة واضحة كرد فعل طبيعي للمساوئ الناجمة عن فشل الرأسمالية، خاصة بالنسبة للفلاحين والطبقة العاملة، وتمثلت هذه الآثار السيئة للنظام الرأسمالي المتدهور في الإستغناء عن أعداد كبيرة من العمال، وإنتشار البطالة مع إنخفاض وتدني في مستوى المعيشة، وإستغلال النساء والأطفال في الانتاج الرأسمالي لإنخفاض أجورهم وظهور الكثير من الأمراض والعلل الاجتماعية الخطيرة.

ويعتبر روبرت أوين الفترة من 1771-1858م الأب الروحي للعمل التعاوني حيث حاول تطبيق أفكاره الإصلاحية عن طريق توحيد جهود العمال تعاونياً، وعلى الرغم من الإخفاقات التي لازمت التجربة إلا أنها كانت كافية لإنطلاق التجربة التعاونية العالمية الرائدة لرواد روتشديل وهي بلدة صغيرة في مقاطعة لانكشاير بانجلترا، عندما تكونت لدى العمال وقتها فكرة إنشاء جمعية تعاونية في حي تودلين بروتشديل، فتأسست الجمعية من 28 شخصاً تقريباً – رواد روتشديل المنصفين، والذين قاموا بجمع مبلغ يقدر بحوالي 26 جنيهاً، وفتحوا متجراً متواضعاً يحوي السلع الاستهلاكية الضرورية مما مكنهم من توفير هذه السلع لعائلاتهم وبسعر معقول ودون غش في الجودة أو الوزن. وقد قاموا بوضع نظاماً داخلياً مكتوباً لجمعيتهم تضمن الغايات والأهداف وطرق جمع المال وتوزيع الأرباح وأسلوب الادارة وخطة الجمعية، وبمرور الوقت  ومع النجاح توسعت الجمعية في أعمال  المتجر إلى أن أصبح يوفر كافة السلع والملابس وقد أضيفت مطحنة للحبوب بعد خمسة سنوات، وأصبح عدد الأعضاء بعد سبعة سنوات حوالي 600 عضواً. ويمكن القول بأن روتشديل بدأت في التطور خلال الفترة من 1843م – 1845م ، وبدأ الفكر التعاوني وأسسه التي تحولت إلي مبادئ في الانتشار، وذلك لما حققه تطبيق التعاون من نتائج ملموسة تخطت مجالات الاستهلاك إلي مجالات أخرى أرحب، تضمنت المساهمة في إنشاء المساكن العمالية خاصة بعد أن زادت العضوية، وتضاعفت رؤوس الأموال، ونمت القدرات إلى أن تمكنت الجمعية من إمتلاك أكبر أسطول تجاري بحري  في العالم في ذلك الوقت.

بعدها توالى تأسيس التعاونيات في إنجلترا من مختلف الأنواع والغايات، وصدر أول تشريع حكومي في العام 1852م، لأن الحكومة وقتها أدركت أهمية الدور الاقتصادي والاجتماعي الذي بدأت تلعبه التعاونيات، وفي العام 1863م أسس أول اتحاد جمعيات تعاونية ضم  48 جمعية لتوريد وتسويق المواد الغذائية والإحتياجات المنزلية بالجملة للعضوية من خلال هذه الجمعيات وأنتخب أحد رواد روتشديل رئيساً للاتحاد، وتوالت الحركة التعاونية بانجلترا بالتطور والرقي فأسست أول صحيفة تعاونية في العام 1871م، ثم تكونت رابطة السيدات التعاونية في العام 1883م لتقديم خدمات رعاية الأمومة والطفولة وتحسين أحوال إستخدام النساء العاملات في المصانع.

وفي نفس فترة إزدهار التعاونيات في إنجلترا كانت تزدهر حركة تعاونية للتسليف والتوفير التعاوني الزراعي في ألمانيا حيث تنتشر الحيازات الزراعية الصغيرة وتزيد المعاناة بسبب السعر المتدني للمنتجات الزراعية، وإرتفاع سعر الفائدة على المبالغ المقترضة من الممولين والتجار، مما دفع فريدريك رايفايزن رئيس بلدية مجموعة من القرى للتفكير الجاد في تأسيس أول جمعية تعاونية للتسليف والتوفير بنظام داخلي مكتوب ومتفق عليه وبأسهم وإشتراكات رمزية، مع توفير قروض إنتاجية زراعية مشروطة ومراقبة للأعضاء، وقد كانت النتائج من ذلك إيجابية على المزارعين.

وعليه إنتشرت مثل هذه الجمعيات في كافة أقطار أوروبا ثم إنتقلت إلى كافة أنحاء العالم وتنوعت بتنوع إحتياج المجتمعات الاستهلاكية والزراعية والإسكانية والصحية وصيد الأسماك والنقل والتسويق والأعمال النسائية والمدرسية والعمالية وأعمال أخرى كثيرة تشمل كافة نواحي الحياة. إلى أن قفز النشاط التعاوني نتيجة للنجاحات التي حققها من الإطار الوطني إلى الإطار الدولي حيث تم تأسيس التحالف التعاوني الدولي بلندن في العام 1895م وقد تم الاحتفال في السادس من يوليو 1995م بمرور مائة عام على تأسيسه، بعد أن تم ترسيخ تعريف – التعاونية – بأنها منظمة ذاتية الإدارة تتكون من أشخاص يتحدون اختيارياً لمواجهة إحتياجاتهم الاجتماعية والاقتصادية والخدمية من خلال مشروع ملكية مشتركة. وفي العام 2002م أصبح من الممكن التمييز بين الجمعيات التعاونية على شبكة الإنترنت من خلال استخدام نطاق كووب، وفي العام 2014م قدّم التحالف التعاوني الدولي علامة الجمعيات التعاونية، مما يعني أنه يمكن أيضاً تحديد الجمعيات التعاونية التابعة للتحالف والإتحادات الائتمانية من خلال علامة استهلاكية أخلاقية تعاونية.

 الجمعية التعاونية:  هي كيان مستقل يتكون من الأعضاء الذين يتعاونون طوعاً من أجل المنفعة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتبادلة. وتعتبر الجمعية التعاونية كيان قانوني يملكه أعضاؤها ويسيطرون عليه، وغالباً ما يكون للأعضاء إرتباط وثيق مع المؤسسة كمنتجين أو مستهلكين لمنتجاتها أو خدماتها أو كموظفين فيها. ولهذه الكيانات القانونية مجموعة من الخصائص الاجتماعية، فالعضوية مفتوحة، وهذا يعني أن أي شخص يستوفي بعض الشروط يمكنه الانضمام. وتوزّع المكاسب الاقتصادية بشكل متناسب على مستوى مشاركة كل عضو في الجمعية التعاونية، وعلى سبيل المثال عن طريق توزيع أرباح على المبيعات أو المشتريات، وليس وفقاً لرأس المال المستثمر. وتتميز الجمعية التعاونية عن غيرها من أشكال الاندماج في أن تحقيق الربح أو الاستقرار الاقتصادي يكون متوازناً مع مصالح المجتمع.

 مبادئ الجمعيات التعاونية وقيمها: مبادئ الجمعيات التعاونية هي المبادئ التوجيهية السبعة التي يعمل بها الشركاء على وضع قيمهم موضع التنفيذ، وغالباً ما تسمى مبادئ روتشديل السبعة:

  1. العضوية الطوعية والمفتوحة.
  2. عمل الأعضاء بشكل ديمقراطي.
  3. المشاركة الاقتصادية للأعضاء.
  4. الحكم الذاتي والاستقلال.
  5. التعليم والتدريب والإعلام.
  6. التعاون بين الجمعيات التعاونية.
  7. الاهتمام بالمجتمع.

وتستند قيم الجمعيات التعاونية، وفقاً لتقاليد مؤسسيها، إلى المساعدة الذاتية، المسؤولية الذاتية، الديمقراطية، المساواة، الإنصاف، التضامن. ويؤمن الأعضاء المتعاونون بالقيم الأخلاقية المتمثلة في النزاهة، والانفتاح، والمسؤولية الاجتماعية ورعاية الآخرين.

 بعض أنواع الجمعيات التعاونية:  يمكِن تقسيم الجمعيات التعاونية إلى خمسة أنواع تشمل:
1/ الجمعيات التعاونية متعددة الأغراض:  وهي التي تباشر جميع أنواع النشاط الاقتصادي والاجتماعي.
2/  الجمعيات التعاونية الاستهلاكية:  وهي التي تعمل على البيع بالتجزئة، للسلع الاستهلاكية التي تشتريها أو التي تقوم بإنتاجِها بنفسها أو بالتعاون مع الجمعيات التعاونية الأخرى.

3/  الجمعيات التعاونية الزراعية:  وهي التي تقوم بإنتاج السلع الزراعية والمنتجات الحيوانية والسمكية وتخزينِها وتصنيعها وتسويقِها، ومد الأعضاء بمدخلات الإنتاج وبما يحتاجونه من معدات زراعية عن طريق البيع أو الإيجار للمساعدة في زيادة الإنتاج، سواء كانت هذه المعدات من صنع الجمعية أو من صنع غيرها.  

  4/  الجمعيات التعاونية المهنية:  ويقصد بها تلك الجمعيات التي يكونها صغار أو متوسطي الدخل، من المنتخبين المرتبطين بمهنة معينة، بقصد خفض نفقات إنتاجهم، وتحسين طرق بيع منتجاتهم.
5/  الجمعيات التعاونية الخدمية:  وهي التي تقدّم لأعضائها خدمات بطريقة تعاونية، كجمعيات الإسكان التعاونية والجمعيات التعاونية المدرسية والجمعيات التعاونية للنقل والمواصلات وجمعيات الكهرباء التعاونية، والجمعيات التعاونية للتأمين وغيرها من الجمعيات.

 الدور الذي يمكن أن تلعبه الجمعيات التعاونية: يمكن للجمعيات التعاونية أن تلعب دوراً هاماً في العديد من المجالات وعلى سبيل المثال لا الحصر:
1/  توفير البيئة المناسبة لنمو وإزدهار الاستثمارات المتوسطة والصغيرة.
2/  تعتبر التعاونيات وعاء جيد لتنفيذ برامج التنمية البشرية.
3/  تعتبر التعاونيات أداة جيدة وفاعلة لمواجهة مشكلة البطالة.
4/ يمكن للتعاونيات الإحلال محل الدولة في ملكية الأصول الخاضعة للخصخصة.
5/ يمكن للتعاونيات أن تقوم بدعم وتطوير أنشطة القطاعات غير الرسمية في الاقتصاد.
6/ يمكن للتعاونيات أن تقوم بالمساهمة في برامج محو الأمية.
7/ يمكن للتعاونيات أن تقوم بالمساهمة في برامج الارشاد الزراعي الريفي.

8/  يمكن للتعاونيات أن تقوم بالمساهمة في برامج الاصحاح البيئي مثل تدوير النفايات.

9/  يمكن للتعاونيات أن تقوم بالمساهمة في توفير التقانات الزراعية الحديثة.

10/  يمكن للتعاونيات أن تقوم بالمساهمة في التدريب والتطوير وبناء القدرات.

 فوائد الجمعيات التعاونية:  تتعدد فوائد الجمعيات التعاونية بتنوع أهدافها والدور الذي يمكن أن تلعبه، لكنها تتفق في تحقيق آثار اقتصادية واجتماعية بالنسبة لأعضائها وللمجتمع الذي تعمل فيه، ويتمثل بعضها فيما يلي:
1/ تحدث الجمعيات التعاونية تضامناً بين الأعضاء المكونين لها.
2/  تعمل على تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية لأعضائها، حيث تعمل على إيجاد مراكز جديدة لهم للإنتاج والتوزيع في السوق، وتؤثر في السوق وتلغي الوسطاء أو تخفف من حدتهم، لأنها منشأة تخدم المنتج الأول والمستهلك الأخير.
3/ تؤكد الجمعية التعاونية بأن العمل الجماعي أقوي من العمل الفردي فتستخدم الجمعية في الإنتاج أحدث الوسائل وتطبق مهارات مختلفة في المدخلات والتسليف والإرشاد، وتتبع في ذلك جودة الصنف والنوع، والحد من الإنفاق ومحاربة الإسراف. كما تحقق أعمالاً لا يمكن أن يحققها الفرد المنتج وحده، ولا يمكن أن يحققها الفرد المستهلك وحده.
4/ تتمتع الجمعية بقدرة على تكوين الأموال الذاتية من الأسهم، ومن الاحتياطيات المالية التي يتم جمعها من الأعضاء.
5/ تؤثر الجمعية في شخصية الفرد، فيصبح له مقدرة  على الانتاج بالجمعية الانتاجية ومهارة في التسويق في الجمعية الاستهلاكية، كما وأنه يستطيع أن يؤمن إحتاجاته من السلع المتوفرة على أساس العدالة في التوزيع، وله شرف الحماية من الاستغلال والسوق السوداء ومؤثرات الندرة علي تداول البضاعة وكمياتها وأنواعها وأسعارها.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Thanks for submitting your comment!