أهمية الأحزمة الشجرية

شجري

*نحو سودان أخضر .. متقدم ومستقر 9 10*

(لا مستقبل للسودان دون المحافظة على البيئة واستدامة التنمية)

(يجب التركيز على الإنسان أولاً ، لا الموارد ولا المكان، فهو وسيلة التنمية وغايتها)

 

المبادئ الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة:

الأول: أن التنمية في أي بلد مُعتمد على الموارد الطبيعية مثل السودان تبدأ من *الريف*.

والثاني: أن عماد التنمية *الإنسان الصحيح العقل والنفس والبدن*

و*المُسلّح بالمعرفة والثقافة*.

والثالث: أن أساس الصحة *الوقاية* وأساس الوقاية *الصحة العامة* وأساس الصحة العامة *صحة البيئة وجودة الهواء والماء والغذاء*. وهذه تأتي في الأهمية قبل الرعاية الصحية الأولية والخدمات العلاجية.

 

*(9) أهمية الأحزمة الشجرية في المشاريع الزراعية *

د. عيسى محمد عبد اللطيف

مستشار العناية بالبيئة واستدامة التنمية

eabdellatif@yahoo.com

07 / 01 / 2020

بسم الله الرحمن الرحيم

(هذا المقال جاء كتعليق على فيديو يصور إنتاجية عالية واستخدام تقنيات متقدمة في مشروع زراعي صحراوي وكرد فعل لمحاولات زراعة أشجار الفواكه في كل مكان)

يشكّل ضعف الإنتاجية أحد أهم قضايا الزراعة في السودان، وهو من أهم أسباب فقر المزارع وهجر الزراعة التي لا تغطي التكلفة احياناً، كما أنه من أهم أسباب غلاء المنتجات الزراعية في بلادنا العزيزة.

دولة متواضعة الإمكانيات وصغيرة مثل مالي تنتج ضعف إنتاجية الفدان عندنا من الذرة (الفتريتة) وأثيوبيا 4 اضعافنا وانتاجية مصر من الفول السواني للفدان 10 أضعاف انتاجنا وحتى تشاد تنتج الفول بكفاءة أفضل منا.

كيف يؤثر ذلك على المجتمع؟

لو أن إنتاجية الذرة لدينا مثل اثيوبيا لنزلت الاسعار لأقل من النصف مع مضاعفة أرباح المزارع، ولأصبح علف البهائم والدواجن أرخص كثيراً وبالتالي أسعار اللحمة واللبن والبيض والدواجن تنزل الى النصف أو أقل والكل ربحان.

ضعف الإنتاجية كذلك ينعكس على كفاءة صادراتنا، لأن تكاليف الإنتاج وضعف الجودة لا تسمح بالمنافسة مع السعر العالمي للمحصول، خاصة في ظل حكومة تعتمد على الجبايات وفرض الرسوم دون تخطيط. مثلاً في مصر تجد الخضروات والفواكه أرخص مما لدينا وصادراتهم إلينا بتكون أرخص من المحلية لأن رقم الكفاءة الإنتاجية في مصر ما بين 5 – 10 أضعاف. فلو باعها لنا بنصف سعرنا لكان هو رابح أضعاف ربحنا. (هذه المعلومات أعلاه وردت في قروب تطوير الزراعة عن تقرير أمريكي).

وعليه تبهرنا الإنتاجية العالية لمشاريع الرأسمالية القادرة على ضخ أموال طائلة وتوفير أحدث التقنيات للزراعة والحصاد مثلما هو الحال في مشاريع الراجحي وزادنا في ولايتي نهر النيل والشمالية. ومن حقنا أن نفرح بذلك طبعاً.

لكن تظل هناك القضية الاستراتيجية التي لا يود اصحاب المشاريع ان يفتحوا آذانهم لها ولا تود الحكومة أن تفرضها حسب القانون، الا وهي قضية الاستدامة sustainability. هذا المشروع المعروض في الفيديو غير مستدام not sustainable وسيتصحر في فترة وجيزة لأنه على مد البصر لا ترى فيه ولا شجرة واحدة. وهذه مخالفة للقانون الذي يلزم صاحب كل مشروع مطري ب 10% أشجار والمروي 5%.

وفي اعتقادي أن ال 5% وضعت وفي البال الري من النيل، أما مشاريع الصحراء المعتمدة على المياه الجوفية غير المتجددة، فعلمياً يجب أن تكون 15 – 20% أحزمة شجرية لحماية التربة ورفع كفاءة استخدام المياه الجوفية التي ستنضب عاجلاً أو آجلاً، ولتلطيف الجو للمحصول وللعاملين لتحقيق إنتاجية أفضل. كما أنه من الأفضل ترك مُخلّفات المحصول وتشجيع أصحاب البهائم للرعي فيها وتوفير الماء لهم لفترة كافية لتسميد الأرض بسماد طبيعي لتقليل استخدام الكيماويات.

إن زراعة الأحزمة الشجرية ستوفر الظل والعلف للبهائم والطاقة والحطب للعاملين، وستجعل من المنطقة واحة دائمة حتى بعد نضوب المياه الجوفية وتوقف المشروع مما يساعد في مكافحة التصحر وإيقاف زحف الكثبان الرملية.

والأحزمة الخضراء أيضاً مهمة للمشاريع الصناعية وحول المدن، إذ أنها تمتص الغبار بنسبة قد تصل الى 70% أو أكثر، وتمتص الغازات المسببة للاحتباس الحراري والتغيّر المناخي مثل ثاني أوكسيد الكربون، وتمتص الغازات والمواد السامة الناتجة عن المركبات والصناعات مثل الرصاص وأول أوكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والكبريت والمواد العالقة الدقيقة. وكل هذه المواد يستنشقها الإنسان وتسبب له أمراض عديدة قد تصل مراحل متأخرة وتتحول إلى أمراض مزمنة ومستعصية.

خلاصة الأمر أن الأحزمة الشجرية والغابات عموماً مهمة جداً:

أولاً : لحفظ التوازن البيئي ومكافحة التصحر مما يترتب عليه استدامة إنتاج الزراعة والثروة الحيوانية،

وثانياً: لمنتجاتها الإستراتيجية مثل الصمغ العربي والأدوية والعلف،

وثالثاً: لإنتاج الفواكه التي تأتي متأخرة في الأهمية لأن لدينا مساحات شاسعة من الفواكه المزروعة على ضفاف النيل من ولاية النيل الأزرق جنوباً وحتى أقصى الولاية الشمالية وفي مناطق كثيرة جداً من إقليمي كردفان ودارفور ولكن أغلبها تضيع هدراً لعدم الاهتمام بالجودة والتسويق والتصنيع.

ولقد ذكرتُ هذه النقطة لأن موضوع الأشجار المثمرة كان قد تداوله الإعلام كثيراً وقد أخرجه بعض منسوبي الحكومة البائدة من سياقه العلمي الى أحلام مبنية على انطباعات وأفكار تجارية بحتة قصيرة الأمد، وكأنما أشجار الطلح والسلم والسنط غير مثمرة. وكمثال عزم والي سنار السابق على ازالة غابات السنط النيلية ليزرع مكانها أشجار الموز المثمرة، ولعدم موافقة إدارة الغابات على مخالفة القانون الذي يحمي غابات السنط، لجأ السيد الوالي إلى استصدار توجيه من رئيس الجمهورية لتنفيذ مُخططه التدميري وأعلن ذلك في أجهزة الإعلام. وعندما كتبتُ في الصحف مُحذّراً أن هذه ستكون أكبر كارثة تحدث للمنظومة البيئية النيلية في تاريخه وسيتضرر منها السكان من سنار الى الخرطوم، أصدر الحزب الحاكم بسنار بياناً يتهمني فيه بالإساءة الى الوالي والى رئيس الجمهورية الذي اعتمد المشروع (كنوع من الإرهاب طبعاً).

ثمّ إننا سعينا حثيثاً للحصول على دعم فني ومالي عالمي لزراعة الأشجار ضمن مشروع الحزام أو السياج الأخضر الأفريقي العظيم الذي يشمل 11 دولة أفريقية، والجزء الأكبر منه (حوالي 1250 كيلومتر) يقع في السودان. وهو مشروع إقليمي تشرف عليه الأمم المتحدة. وقد جئتُ إلى الخرطوم قبل 4 سنوات ضمن وفد أجنبي تمت دعوته لمشاهدة بداية الحزام الأفريقي في ولاية الخرطوم لاستقطاب الدعم. وأخذونا الى غرب أمدرمان حيث وجدنا أشجار المانجو والجوافة وغيرها من الفواكه مزروعة لتكافح الزحف الصحراوي؟ وبالطبع كان شيئاً مضحكاً للوفد ومحزناً جداً بالنسبة لي إذ لم يكن المسؤولين مؤهلين لهذا العمل الكبير ولم تكن الحكومة تهتم بآراء الخبراء، وما أكثرهم في بلادي أو بلاد المهجر ومستعدين ليقدّموا خدماتهم تطوعاً، بل كانوا تحت تأثير هذه الفكرة غير العلمية، فكرة الأشجار المثمرة (ما دامت هناك أشجار فلم لا تكون مثمرة؟؟؟). وللأسف كثير من أشجار الفواكه التي تمت زراعتها في الحقبة الأخيرة هي سلالات مُهجّنة مستوردة ولا تنمو بذورها دون رعاية، وقد إستجلبها أصحاب النفوذ لمزارعهم وأصبحت “موضة”دون أسس علمية ودون مرورها بالحجر الزراعي.

في الواقع نحن أحوج الى الأشجار الصحراوية وشبه الصحراوية كأشجار الأكاسيا بأنواعها المختلفة لبناء الأحزمة الشجرية في كل مكان، حتى في المدن نحتاج لأشجار تكون قادرة على إمتصاص الغبار وملوثات الصناعة والمركبات. أما في المنازل فلا بأس من زراعة أشجار الفواكه المناسبة للمنطقة. ومؤكد أننا نحتاج لاستخدام التقنيات المتاحة والمتخصصين في هذا المجال لإرشاد الناس حول كيفية نشر الخضرة في كل منطقة من هذا السودان الشاسع. ونحتاج لمشاتل في كل ولاية تمد الناس بالشتول. وقد جربت بنفسي، بل سعيت للحصول على بذور أشجار مناطق جافة ونثرتها في طريقي الى الشمالية ولم تنجح لعدم الخبرة وعدم توفر إرشادات المتخصصين.

يجب على الدولة ممثلةً في مجالسها التشريعية ومؤسساتها التنفيذية أن تسعى لتحقيق تنمية مستدامة في كل ربوع البلاد، وفي الريف قبل المدينة. والتنمية المستدامة تتطلب التوازن بين ثلاثة أضلاع هي:

1-        كفاءة النظام الاقتصادي (تحقيق دخل قومي عالي)

2-        القبول الاجتماعي والتنمية الاجتماعية التي تحقق العيش بكرامة لكل أفراد المجتمع

3-        الحفاظ على رأس المال الطبيعي الذي يعتمد عليه الاقتصاد (البيئة والموارد الطبيعية)

وعليه، لإدراج المشاريع الرأسمالية الكبيرة ضمن خطط التنمية المستدامة، لا بد أن تحقق شروط الاستدامة التي تشمل استدامة الموارد الطبيعية (التربة والمياه) على المدى الطويل، مع استصحاب وتنمية المجتمع المحلي. فأرقام الدخل القومي التي يعتمدها البنك الدولي كمؤشرات للنمو لا تعني شيء أن لم يعتمد معها مؤشرات اجتماعية وإنسانية بحيث يكون المستفيد الأول من تنمية أي منطقة هو إنسانها. والإنسان قبل المكان. فبعض الدول المتقدمة أدخلت 34 مؤشراً للتنمية الحقيقة غير النمو الاقتصادي (الدخل القومي) لقياس التقدم وجودة الحياة في الدولة.

نسأل الله تعالى أن يهدي مسؤولينا الى اتباع النهج العلمي والرجوع الى أهل التخصص والخبرة في تخطيطهم للتنمية والخدمات الحكومية، والله ولي التوفيق.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Thanks for submitting your comment!