هيكلة المحليات للقيام بالعمل البلدي
نحو سودان أخضر .. مستقر ومتقدم 11 – 11
د. عيسى محمد عبد اللطيف
مستشار العناية بالبيئة واستدامة التنمية
(11) مبادرة إعادة هيكلة المحليات لتقوم بوظائف العمل البلدي
هذه المبادرة تُشكّل القاعدة الأساسية لكل المبادرات التي تهدف الى تحقيق تنمية مستدامة في السودان، خاصة في الريف، إذ لا تنمية دون جهاز حكومي مؤهل وفاعل ويتمتع بالإرادة السياسية لتحقيق التنمية الحقيقية.
أولاً دعونا نتفق على أن من أكبر الانجازات التي يأمل كل سوداني وطني أن تحققها الثورة هي:
- تنمية الريف
- صحة وسلامة المجتمع.
وفي تحقيق هذين الإنجازين الحل لأغلب مشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية والصحية.
ولكن لا يمكن تحقيق أيٍّ منهما في ظل الفراغ التشريعي والإداري الواضح على مستوى المحليات. وهذا الفراغ نتاج طبيعي لتركيبة المحليات التي لم تُكلّف في يوم من الأيام بخدمة المواطن والمجتمع المحلي، بل وُجدت لتخدم أعضاء التنظيم الحاكم على المستوى المحلي بفرض وجمع الجبايات وضمان التسهيلات القانونية والإدارية لراحتهم ورفاهيتهم، إضافةً الى الجانب الأمني الذي يهدف الى تثبيت أركان السلطة وضرب كل ما يهددها بيدٍ من حديد.
وبسقوط النظام أصبحت المحليات بلا وظيفة ولا هدف واضح ونشأ فراغ كبير هو السبب في العشوائية والتخبط في الإجراءات واتخاذ القرارات.
أما الأصل في تشكيل هذه المحليات فهو أن تقوم بالعمل البلدي، أي أن تقوم بوظائف البلديات المعروفة عالمياً ومتوفرة في كل بلدان العالم، والتي تتمثل في:
- التخطيط العمراني السليم بإيجاد خرطة مُوجِّهة لكل منطقة Master Plan لا تحيد عنها في توزيع الأراضي وتخطيط القرى والمدن والبنيات التحتية في الحاضر والمستقبل.
- تحديد المعايير والرقابة لجودة الهواء ولضمان توفير مياه الشرب الصحية للسكان.
- رقابة الأغذية التي تضمن خلو الغذاء المباع في الأسواق من التلوث الكيميائي والجرثومي، سواء كان محلي أو مستورد.
- إدارة النفايات الصلبة وفق منظومة متكاملة تبدأ بتوعية وتثقيف المواطن (مُنتج النفايات) وتكون مسؤولة عن تقليل وفرز وجمع وتدوير النفايات والتخلص النهائي من المتبقي بطريقة علمية تجعل من النفايات مورد اقتصادي وليس ملوث للبيئة. وهذا يتطلب التفريق بين النفايات العامة والنفايات الخطرة التي تشمل الطبية والصناعية والإلكترونية والمشعة.
- إدارة الصرف الصحي والصناعي وفق منظومة تحول النفايات السائلة الى مورد اقتصادي، خاصة وأننا مقبلون على كوارث أكبر في المستقبل بسبب نظام السايفون الذي انتشر في كل انحاء البلاد وبسبب عدم فصل مياه الأمطار عن مياه الصرف الصحي والصرف الصناعي.
- إدارة الزراعة والحدائق والشواطئ والمتنزهات العامة.
فإذا أبقينا على اسم المحليات أو عدنا الى الاسم الأصلي (البلديات) فإن الوظائف تظل هي هذه المذكورة، مرتكزة على تشريعات اتحادية ومحلية شاملة ومؤسسية تتوفر لها الكوادر البشرية المؤهلة والإمكانيات الفنية اللازمة من مختبرات ووسائل حركة واتصال والدعم المالي لتسيير دولاب العمل.
ويراقب المحلية (البلدية) ويشرف على أعمالها مجلس بلدي منتخب يجيز الخطط والمشاريع والميزانيات لتنمية وتطوير المنطقة.
وهكذا تكون تنمية الريف وفق خطط ومشاريع استثمارية زراعية وصناعية وسياحية تجيزها البلدية بناءً على دراسات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ، وهذه هي الأركان الثلاثة للتنمية المستدامة يضاف اليها الشراكة والمشاركة المجتمعية التي تضمن الرضا والاستمرارية.
وهكذا أيضاً نكون قد حققنا أكثر من 80% من صحة وسلامة المجتمع عن طريق الوقاية المتمثلة في جودة الهواء والماء والغذاء وإدارة النفايات الصلبة والسائلة وإجراءات السلامة من الحوادث والكوارث المختلفة.
إذن المطلوب الآن هو الترويج لمبادرة (إعادة هيكلة المحليات لتقوم بوظائف العمل البلدي) .. وتنفيذ هذه المبادرة يبدأ بالإرادة السياسية التي ربما تحتاج لحشد جماهيري يدعم المبادرة وتصبح مطلب شعبي.
وبمجرد إجازة المبادرة ضمن أولويات الحكومة فإن الباقي سيأتي تباعاً وفق همّة وإرادة كل مجتمع محلي. وهذا هو السبيل لإنهاء حالة الفوضى التي تعم الولايات الآن، بما في ذلك ولاية الخرطوم التي تعاني الأمرين.
يمكنكم الرجوع الى سلسلة المقالات التي نشرت في الراكوبة ابتداءً من سبتمبر 2019 تحت عنوان: نحو سودان أخضر .. مستقر ومزدهر. فالحلقة الأولى كانت عن التنمية الريفية والثانية عن العمل البلدي.
كما أن هناك 9 فيديوهات في البيئة على منصة sudannextgen.com – صفحة الفيديوهات،
https://sudannextgen.com/videos/
أهمها فيديو بعنوان (المخرج المُستدام من مأزق صحة البيئة في السودان) منشور باسم (Environmental health).