نحو سودان أخضر (12) – نكران الديون والرأسمالية الطفيلية

والعوز ضحايا الفساد-634e40ea

نحو سودان أخضر  .. مستقر ومتقدم 12 – 12

د. عيسى محمد عبد اللطيف

مستشار العناية بالبيئة واستدامة التنمية

eabdellatif@yahoo.com

(12) نكران الديون والرأسمالية الطفيلية

اطلعت على فيديو مهم جداً يشرح فيه خبير الإقتصاد المصري الدكتور وهبة كيفية تكبيل الدول داخل سجن الديون ؟ وما يترتب على ذلك من استمرار الإستدانة والاستعباد في دوّامة لا تنتهي بأن تستدين الحكومة من الداخل ومن الخارج لتسدد الديون  .. وليس لأي حكومة حل لهذه المشكلة فهي فقط تقوم بترحيلها الى الحكومة التي تخلفها مضاعفةً. وكحل لهذه الأزمة المزمنة يقترح الخبير اتباع نهج الأرجنتين التي اعلنت للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي أنها لن تسدد أي ديون بحجة أن الوعد كان الإقراض لإصلاح الإقتصاد وهو تدهور أكثر وبالتالي قروض لم تحقق الغرض منها فهي في حل منها .. واضطرت هذه المؤسسات المالية الدولية أن تجلس مع الأرجنتين في مفاوضات بعد أن فشل التهديد في اخضاعها، وحققت بعد ذلك الأرجنتين وبعدها البرازيل نجاحات كبيرة في التخلص من الديون وتحقيق التنمية.

رابط الفيديو : https://www.facebook.com/watch/live/?v=409327690304695&ref=watch_permalink

هذا الفيديو شدّ انتباهي كثيراً لأن النظام الرأسمالي الطفيلي هو ليس فقط السبب الرئيس في افقار الشعوب وانتشار الفقر والمسغبة حول العالم ، وانما هو أيضا السبب الرئيس في تفاقم مُهدّدات الحياة على الكرة الأرضية مثل التغير المناخي والتصحر والتلوث بنفايات البلاستيك والميكروبلاستيك والميكروفايبرز والمبيدات والسماد وكيماويات التعدين وغيرها، لأن غايته الربح عن طريق تشجيع الاستهلاك المُفرط دون الإلتفات الى ما يترتب على ذلك من دمار وتقصير لعمر الحياة على كوكب الأرض بسبب التلوث واستنزاف الموارد (رأس المال الطبيعي) وتدمير الموائل الطبيعية.

وهذه العوامل تقف أيضاً وراء الكوارث الطبيعية التي ظلت تتكرر بصورة أقوى وأكثر دماراً وايلاماً كل عام من عواصف وفيضانات مُدمّرة وجفاف مُدمّر أيضاً يؤدي الى مجاعات وهجرات جماعية وما يترتب على ذلك من تفاقم المشاكل البيئية والإجتماعية..

وقد تستغربون أن هذه العوامل هي أيضاً من أسباب ظهور الأوبئة، إذ أن هناك فيروسات وكائنات دقيقة أخرى لم تكن لتصل الى الإنسان الذي لا معرفة لجهازه المناعي بها لولا تدمير البيئات الطبيعية الذي جعل الإنسان يتوغل في بيئات وعرة وغريبة وجعل كائنات غريبة بالمقابل تلجأ الى أماكن قريبة من الإنسان بعد تدمير موائلها الطبيعية مثل ذلك الخفاش الصيني الذي أتهموه بنقل فيروس الكرونا وهو ليست له علاقة ببيئة الإنسان ويعيش في غابات كثيفة ويتغذى على الفواكه والثمار، ولكن الإنسان هو الذي تعدى عليه.

كما أن هناك فيروسات يمكن أن تكون كامنة في المناطق القطبية تحت الجليد منذ مئات الآلاف من السنين ومؤكد أن جهاز الإنسان المناعي لا يعرف عنها شيئاً وقد تكون قاتلة وسريعة الإنتشار مثلما كان فيروس ميكسوماتوزا الذي استخدم للقضاء على الأرانب في أوستراليا. فتخيل اذا تم اطلاق هذه الفيروسات عندما يذوب الجليد بسبب الاحتباس الحراري ، ما هي النتيجة المتوقعة؟؟

وكما تعلمون فإن علماء السلطان من رجال الدين ظلوا يحللون اشياء من النظام الرأسمالي الطفيلي مُحرّمة في نظري لإرضاء السلطة الحاكمة سواء في السودان أو في أغلب البلدان الإسلامية .. فالشريعة لا تبيح شراء الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة ولا المال بالمال .. وما هو إذن سوق الأوراق المالية ان لم يكن شراء المال بالمال؟ بل انهم حللوا الربا العديل عندما دخلت السلطة الحاكمة في زنقات خانقة. ثم حللوا بعد ذلك السرقة ، مش سرقة جعان لرغيفة ، لانه ده بيقطعوا يده، وانما سرقة مسؤول لمؤسسة كاملة أو قروض بالمليارات، وبحكم شريعتهم المقطوعة من راسهم ممكن تتحلل بمبدأ (المال تلتو ولا كتلتو) ؟ ..

والدكتور وهبة في الفيديو ذكر أن النظام الرأسمالي أساساً يعني المال يلد مال .. وهذا دون تقديم انتاج أو أي شئ للمجتمع مثل من يشتري عيش أو سيخ ويقوم بتخزينه  ليبيعه بسعر أعلى فيما بعد ، أو يشتري أسهم وينتظرها لترتفع .. وقد كانت بنوك الجماعة، بقيادة وزير ماليتهم الذي أدار وزارته من الفندق، هم أول من أدخلوا مفهوم “اشتري وخزّن” في السودان بعد المصالحة الوطنية في 1979 .. ولإمكانيات البنك الكبيرة كان احياناً يجفف السوق من سلعة استراتيجية معينة مثل السكر والعيش والأسمنت وحتى الفحم أذكر انهم في الثمانينات نشفوا السوق منه .. ثم يخرجونه بعد خلق أزمة ليبيعونه ب 10 أضعاف. واغتنى كل من يملك مخازن. فإن لم يكن هذا الخراب للإقتصاد والمتاجرة بقوت الشعب حرام ، فما هو الحرام إذن؟

وطبعاً بعد ذلك اضمحلّ الإنتاج لأنه أصبح غير مربح للمُنتج بعد أن راجت السمسرة التي ساهمت بقوة وما زالت في تعميق أزمة الإنتاج وأزمة الإقتصاد لأن السمسار يكسب أضعاف ما يكسبه المنتج من عرقه وتعبه .. والسمسرة جزء أصيل من نظام رأس المال الطفيلي الذي يمص دماء الشعب دون أن يقدم له شئ.

نرجو أن نرى مراجعة للنظام الرأسمالي القح في بلدنا ، وبما أن الموارد متوفرة لدينا ، فلم لا نضع سياسات إقتصادية تجعل زيادة رأس المال لا تكون الا بالإنتاج سواء كان للإستهلاك المحلي أو للتصدير ..

كما نتمنى أن نجهز أنفسنا للتمرد على المؤسسات المالية الاقليمية والدولية بنكران الديون واشتراط إصلاح الإقتصاد بصورة حقيقية قبل التسديد .. خاصة وأن كل هذه المؤسسات كانت تعلم أن قروضها فاسدة حسب تعريف الدكتور وهبة لأنها تعلم أن الحكومة لن تستطيع سدادها وأنها تستخدم في غير غرضها .. ولكنها تستخدام كوسيلة للإبتزاز ونهب موارد البلاد .. والا فكيف نفسر إقراض الحكومة لنفس الغرض أكثر من مرة كما هو الحال بالنسبة للمطار الدولي الجديد ؟؟

اللهم احفظ بلدنا من شر كل ذي شر .. ودمتم بعافية  ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Thanks for submitting your comment!